Tuesday, 5 January 2010

في ذكرى الخروج من بيروت نزار قباني

في ذكرى الخروج من بيروت
الفلسطينيون هم اخر العرب
نزار قباني

اول العرب هم الفلسطينيون .زواخر العرب هم الفلسطينيون ..وبينهما لا يوجد احد .. ولا يوجد شيء ..اول كلمة في التاريخ العربي تبدأ بحرف ال ( فاء ) ..واخر كلمة تنتهي بحرف ال ( فاء ) ..وبين ال ( فائين ) حفرة عميقة عميقة .. تبدأ بوفاة رسول الله محمد بن عبد الله ، وتنتهي بوفاة المروءة العربية باتلفالج الكلي لا النصفي .. ورحيل مقاتيلي منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت .. بيروت كانت جائزتهم الكبرى .. كما كانت فضيحتنا الكبرى .. هم أخذوا جائزتهم .. وذهبوا وهم يغنون ، ونحن بقينا تحت الانقاض نتفسخ كالأسماك الميتة .. هم حملوا شجرة الثورة على اكتافهم ليزرعوها في منافيهم الجديدة .. ونحن حملنا جنازاتنا على اكتافنا .. فلم نجد على المساحة الممتدة بين الخليج والمحيط ، قارئا يقرأ على روحنا القرآن .. او قبرا يرضى ان يضم عظامنا .. ماذا يفعل الفلسطينيون الان ؟؟ يحملون قهرهم .. وفرحهم .. وخيبة املهم .. ويسافرون الى الزمن العربي المتشابه .. يسافرون من الكذبالى الكذب .. ومن الابتزازالى الابتزاز .. ومن النفاقالى النفاق .. ومن مقاول الى مقاول ومن تاجر شنطة الى تاجر شنطة .. ومن معتقل عائلي صغير الى معتقل كبير ..وحين يصيرون في عرض البحر .. وحين يحاذون شواطيء قبرص .. يرمون في البحر اكياس المواعيد العربية الكاذبة .. وفتافيت العواطف المصطنعة ، و البوم الصور العائلية من اكبر جد الى اصغر حفيد .. كما يرمون في البحر لغة عربية اضاعت اسماءها .. وافعالها وضمائرها ، ولم تعد صالحة الا لكتابة الطقاطيق والمونولوجات .. يعودون الى ظهور بواخرهم .. ويفرغون اخر طلقاتهم في رأس الخليفة المعتصم ، الذي طلبوه بالتلفون كي يأتي لنجدتهم فلم يأت .. وطلبوا الخلفاء واحدا واحدا كي يأتوا لنجدتهم ( فطنشوا ) .. وطلبوا الصليب الاحمر .ز والهلال الاحمر .. والجيش الاحمر .. ومترجما يترجم بينهم وبين العرب .. فأرسلوا اليهم فيليب حبيب .. خرج الفلسطينيون من بيروت .. وتنفس العرب الصعداء .ز بعضهم كتم فرحه الداخلي .. ولم يملك الجرأة الادبية للتعبير عن نفسه .. وبعضهم فضحته عيناه ولم يستطع اخفاء سعادته الكبرى .. وبعضهم قرر ان يحتفل بصورة عالمية بالمناسبة السعيدة .ز فذبح الخرفان امام الباخرة التي نقلتهم الى المنفى .. وكسر زجاجة شمبانيا على مؤخرتها واستأجر راقصة من راقصات الدرجة الاولى للاحتفال بالرحيل العظيم .. وبعضهم .. اعتبر يوم جلائهم عيدا قوميا تعطل فيه الحكومة وتقفل البنوك والمدارس والمؤسسات العامة ، تماما كما نحتفل بجلاء القوات البريطانية والفرنسية عن المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية .. يسافر رئيس الفلسطينيين الى اليونان .. حيث خريستو اكثر حنانا من عبد المعين ، وكرامنليس اكثر لطفا من عبد اللطيف .. وتيودوراكس اكثر غفرانا من عبد الغفار .. وزوربا اليوناني اكثر عروبة من محي الدين بن عربي .. يسافرون من اليتم الى اليتم .. ومن اللؤم الى اللؤم .. ومن بحر صيدا وصور الى بحر الظلمات .. ومن اشارة تعجب الة اشارة استفهام .. ومن خازوق طوله متر الى خازوق طوله كيلومتر .. برحيل الفلسطينين الى اقدارهم الجديدة ، يرحل الجزء المعافى والشجاع والفاعل والمتحرك من الامة العربية .. ويبقى الجزء المريض والمشلول والمعاق .ز يذهب الذين كانوا يصنعون الحلم ويبقى الذين لا يحلمون بشيء، ولا يفكرون بشيء سوى الحكم والتحكم .. يذهب المدافعون عن شرف الارض ويبقى الذين يقشرون البصل في مطبخ الهزيمة .. يذهب اصحاب الرؤية والبصيرة ويبقى الحشاشون .. يذهب المقاتلون ويبقى الهاربون من الجندية .. يذهب الذين يعانقون بنادقهم وينامون ويبقى الذين الذين يعانقون جواربهم ويشخرون .ز يذهب الذين يحملون السلاح ويبقى الذين يحملون حقائب السامسونايات ويأخذون كوميسيونا على كل ذرة رمل وكل شجرة وكل طفليبيعونه من اطفال هذا الوطن .. يذهب التاريخيون ويبقى الذين لا يعنيهم من التاريخ سوى تاريخهم الشخصي ومن جميع العصور سوى عصرهم .. يذهب القابضون على الجمر ويبقى القابضون على اعناق شعوبهم .. يذهب الذين يطلقون النار على خط المواجهة ويبقى الذين يطلقون النار على مواطنيهم من شاشات التلفزيون .. يذهب الذين كانوا يوقعون على كتاب التاريخ ويبقى الذين يوقعون على دفاتر شيكاتهم .. يذهب الذين يحسبون كل ليلة لوائح موتاهم ويبقى الذين يحسبون فوائد استثماراتهم وارصدتهم المصرفية .. يذهب الغاضبون ويبقى الصرافونوالوسطاء والمقاولون السياسيون وباعة المباديء المتجولون .. يذهب الرجال الى الحرب ويبقى اهل الكهف في فراشهم يتساءلون ويفركون اصابع ارجلهم ويضاجعون نساءهم حسب تسلسل حروف الابجدية .. يذهب الذين كانوا يلعبون بنار الكواكب ويبقى ولا تؤاخذني على قلة ادبي ( الذين يلعبون بخصيانهم ) .. يسافر الفلسطينيون وتسافر معهم اكثرالثورات شبابا ونضارة .. اما بعدهم فلن يثور احد على شيء ولن يفكر مقتول بأخذ ثأره .. او مظلوم باستعادة حقه او ذليل برد اعتباره او عبد باسترداد حريته .. بعدهم سيبقى ترتيب الاشياء كما كان ونظام الافكار كما كان وقانون السخرة كما كان وطعم الكرباج كما كان .. بعدهم لن يجرؤ احد على ان يرمي اسرائيل بحجر او بوردة او يمسح الكحل من عينيها .. لان الذين كانوا يفعلون ذلك صاروا في عرض البحر .. بانكسار السيف الفلسطيني في بيروت ينكسر الزمن العربي .. وتتوقف الايام العربية عن الحركة .. فلا يبقى جمعة ولا اربعاء .. ولا يبقى صيف ولا شتاء .. ولا يبقى موسم قمح ولا موسم كبرياء .. بغياب شمس الفلسطينيين .. يدخل العالم العربي في الكسوف الكلي .. ويجف حليب الثورة .. ويموت اولادها

0 comments:

Post a Comment

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More